القائمة الرئيسية

الصفحات

رؤيا الغيب في لغة الدين (الدكتور عبد الجبار الرفاعي)

رؤيا الغيب في لغة الدين
الدكتور :عبد الجبار الرفاعي
لغة الدين المختصة بالغيب تعجز عن التعبير عن حقيقة الغيب بنحو تعكسه كما هو، وهذا العجز حكاية لعجز الإنسان عن تصور الحقيقة غير المحسوسة كما هي. يتصور الإنسان الغيب على شاكلته، لا على شاكلة الغيب، لأن إدراكه لا يتسع لحقيقة ما لا يُدرك بالحواس، كما يتصور الإنسان الغيب بكيفيته، لا بالكيفية التي عليها الغيب. إشراق الغيب رؤيا لا تبوح بما تكتنزه، وليس رؤية محسوسة تدل الإنسان على أبعاد صورتها، رؤيا لما لا يراه الإنسان ولا يسعه أن يحيط بحدوده. كل ما يقال عن الغيب يظل رمزيًا وتلميحيًا، لا يطابق ذات الغيب وما هو عليه. ما يكتب عن الغيب هو تقريب له بلغة الإنسان، لا لغة الغيب.
 لذلك تتكئ النصوص الدينية التي تتحدث عن الغيب على الرمز والمجاز، وتجنح إلى التعبير التمثيلي، فتستخدم لغة تشي بما وراءها، وتدعونا إلى التأمل في إشاراتها، لا التوقف عند دلالتها الحرفية. أية محاولة لتجسيد الغيب حسيًا، أو تحويله إلى صورة مرسومة بوضوح في العقل الكلامي، تعجز عن رسم صورة الغيب، ولا تكتنه معناه خارج الإشارة، وتفرغه من أثره في إثراء الروح، وايقاظ الضمير الأخلاقي. الغيب رؤيا لا تُمتلك، وليس بوسع الإنسان اكتشاف حدودها في ضوء المنطق الصوري، ولا تتسع لها مقولات علم الكلام. الغيب لمن يؤمن به، يبرق في البصيرة كضوء ساطع، يتذوق القلب ومضاته، ويعيش حالاته، وكل ما هو من جنس الحالات لا يمكن أن تتسع له الكلمات والمقولات الجاهزة. ما لم يتحرر العقل الديني من إسار الرؤية الكلامية والفقهية التي أحكمت قبضتها على فهم الغيب، يظل الغيب مجرد كلمات منطفئة، لا تفتح له أفقا على عوالم النور، ولا تسقي القلب ببهجة معانقة النور، وتعمل على خفض وتيرة قلقه الوجودي، وتعيد إليه سلامه، وللروح سكينتها.

بقية المقال هنا

تعليقات