المسألة 2 : التوحيد و الكونية
الدرس 4: الكونية من المنظور
الإسلامي
الإشكالية : كيف
يكون موقفنا من المخالف في الدين نظريا و تطبيقيا؟
v
العناصر :
1/ - تحديد المفاهيم
2/ - أسس الكونية
3/ - أهداف الكونية
4/- الكونية و تحديات العولمة
1/ - تحديد المفاهيم :
أ) مفهوم الكونية:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } الأنبياء (107)
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا
وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} سبأ(28)
ü لِّلْعَالَمِينَ (العالم)،
ü كَافَّةً لِّلنَّاسِ: التوجّه إلى كافّة الناس أي عالمية الرسالة و عموم
الدعوة ( الكونية )
•
الكونيّة أو العالمية الإسلامية هي رؤية حضاريّة
واقعيّة بعبادتها وقيمها المستمدّة من عقيدة التّوحيد والتي تقرّ بالأسس المشتركة
بين الشّعوب (الإنسانية/الحرية/ضرورة التعاون/الرحمة...) وتعترف بالاختلافات
الثّقافيّة والفكريّة والاجتماعية
•
الكونية أو العالمية تطلق على كل
ماهو منسوب إلى الكون ، إلى العالم أي إلى البشر كلهم دون تمييز بين الأقطار و
الأجناس ، و هي كل ما يهم جميع الناس المنتشرين في جميع أنحاء العالم من دين و علم
و اقتصاد و حرية ...
ب/ - الإسلام و الكونية (العالمية )
قال
الله تعالى:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وأنثى
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾الحجرات13
يبرز
البعد الكوني بجلاء من خلال هذه
الآية فقد :
-اكّد الاسلام على وحدة الجنس البشري واستحقاقهم
بدون تمييز لجميع الحقوق، باعتبار وحدة الخلق و الدين ،
- بيّنت
الآية الغاية من الخلق وهي تحقيق التعارف والتعاون و البحث عن المصالح المشتركة
-بيّنت أنّ
التقوى هي القاعدة التي تقوم عليها المسؤولية الفردية.
-عقيدة
التّوحيد هي القاسم المشترك بين كلّ
الدّيانات السماوية والإسلام هو رسالة خاتمة مستوعبة لجميع الرّسالات
--الإسلام
للبشر كلّهم أي للإنسانية، جمعاء
2/ - أسس الكونية :
قال
تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا
وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء} سورة النساء1
أ)وحدة الأصل والمصير :
-الله رب
جميع الناس و آدم أبو البشرية
–المصير واحد
لجميع الناس وهو الموت والفناء
-يشترك جميع
الناس في صفة الإنسانيّة و هذا يقتضي:
المساواة و العدالة/ ترك التّمييز و التّفرقة و
العنصريّة
قال
تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ)
الإسراء: 70
- التكريم
لعموم الناس (بني آدم)
ب / - حق التنوع و الاختلاف:
قال
تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذلك لَآيَاتٍ
لِلْعَالِمِينَ ) الروم 22
-اعتبر
الإسلام التنوع و الاختلاف مظهراً من مظاهر قدرة الله تعالى ، و آية من آياته
(دلالات لجميع الناس على قدرته تعالى)
-لا يقتصر
الاختلاف على الإنسان فقط بل شأن البشر في اختلافهم و تنوعهم شأن مظاهر الكون
الأخرى(النبات /الحيوان ,,,)
-التنوع
والاختلاف هو أمر فطري و طبيعي لحكمة
إلهية أرادها في خلق الانسان (التنوّع على
أساس اللّغة واللّون والدّين و غير ذلك
,,,)
لنأخذ
فكرة عن عدد سكان الأرض حتى نفهم ضرورة قبول الاختلاف والتنوع.
-عام 2020، سيبلغ عدد سكّان الأرض قرابة الثمانية مليارات نسمة، يتوزّعون
على 189 دولة ، كما يتوزّعون على عدد هائل من الجماعات القوميّة واللّغويّة
والدّينية و العرقيّة
- لا سبيل
للعيش على وجه الأرض بسلام الا بقبول الآخر المختلف انطلاقا من اخيك داخل
العائلة وصولا إلى أخيك على المستوى
الإنساني الكوني
د / - احترام الخصوصيات الثقافية :
وردت
في القرآن الكريم آيات متعددة تؤكد التنوع
وتدعو إلى قيمه
قال
تعالى-قال تعالى (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ
النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) هود 118
لو
شاء ربك لجعل الناس كلهم على دين واحد ، ولكنه سبحانه لم يشأ ذلك، فلا يزال الناس
مختلفين في أديانهم؛ وذلك مقتضى حكمته
-يؤكد
الإسلام على التعددية في المعتقدات الدينية والهويات الثقافية،
-يدعو إلى
الالتزام بالحوار للتفاهم و التواصل والتعاون
قال
تعالى ({ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل: 125).
-يساهم
الحوار في ترسيخ قيم التوافق والتعاون
والتعايش بين أتباع الحضارات والثقافات المختلفة،
-يؤكد
الإسلام على مشروعية الاختلاف واعتباره
أمرًا طبيعيًّا بين الناس، ودليلا على التنوع الثقافي والحضاري
- قبول و
رعاية الحق في التنوع الثقافي يحافظ على
الخصوصية الثقافية لكل شعب من شعوب العالم
-فيه اعتراف بالهويات
الوطنية التي تشكل في مجموعها الهوية الإنسانية العامة القائمة على أساس وحدة
الجنس البشري ووحدة الصفات المشتركة.
3/ - أهداف الكونية :
أ)التّسامح الدّيني:
-قال تعالى
( لَا إِكْرَاهَ
فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) البقرة 256
-الدّعوة
الإسلاميّة لا تقوم على الإكراه مطلقا وإذا لم يستجب لها المخالفون فلا مبرّر لإقصائهم.
-أكّد
الإسلام حرّية المعتقد إلى جانب دعوته إلى
السّلم والتّسامح
-من نماذج
التّسامح الدّيني التي كانت تسود المجتمع الإسلامي: وقوفه صلى الله عليه وسلّم
لجنازة يهودي تقديرا لحرمة النّفس البشريّة
-التّسامح مفهوم متداول عالميّا ضدّ التعصّب
والتّناحر لأسباب دينيّة أو مذهبيّة أو إيديوليوجيّة
-وهو يكفل
حريّة الإنسان في الدّين والرّأي ويتيح مبدأ التّعايش السّلمي بما يكفله من سلم
وأمن في العالم.
ب ) التعارف و التعايش السلمي :
-و
يتطلب هذا عدم الاعتداء / التقارب بين
الشعوب /الإحسان قولا وفعلا/حوار الأديان
-
يدعو الإسلام إلى التعارف بين الأفراد و الجماعات.
-
مفهوم التعارف شامل يشمل كل المعاني الدالة على التعايش
و تحقيق المصالح المشتركة.
-
يستوعب التعايش قيم الحوار و المجادلة بالحسنى و
الاحترام المتبادل.
-
يتم التعارف بالحوار و النقاش و تبادل الرأي بالأسلوب
الحسن و القول الجميل و الدعوة إلى الحق بتجنب التصادم و التذكير بوحدانية الله عن
طريق النظر في الكون.
من مظاهر التعايش و الاعتراف : التسامح و ممارسة الشعائر الدينية / التحلي عن
التعصب الديني أو الأفكار الشخصية و الميز العنصري ..
-
يتم التعايش بين المسلمين و غيرهم من أهل الأديان ببناء
الثقة و الاحترام المتبادلين و من الرغبة في التعاون و تحقيق المصالح المشتركة.
o من أمثلة هذا التعايش :
- زواج مراد باي من فتاة إيطالية و بقاؤها على دينها حتى و فاتها و
تم دفنها على الطقوس المسيحية...
-توقيع الرسول صلى الله عليه وسلم أحلافا للتعايش السلمي
مع المخالفين من غير المسلمين (الكتاب بين
المهاجرين والأنصار، وهو المعروف بالصحيفة، وَادَع فيه اليهود وعاهدهم، وأقرهم على
دينهم وأموالهم,,,.)
-آخى بين المهاجرين و
الأنصار والأوس و الخزرج
-أكد صلى الله عليه سلم على حسن التواصل والتعامل مع أهل الذمة
ولفظ الذمة معناه ذمة الله وعهده ورعايته.
- التعايش السلمي بين مختلف مكونات المجتمع الإسلامي –
فرق كلامية مختلفة – ديانات مختلفة
– احترام أماكن العبادة لكل الديانات
ج / - الاستخلاف :
-قال
تعالى {وإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي
جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ} البقرة30
-الاستخلاف يشكّل بداية الوجود الإنساني على الأرض، الذي أعلن عنه الله أمام
ملائكته
-يشترك جميع
الناس في صفة خلافة الله في الأرض لتكون دار تكليف وامتحان
-يعني
الاستخلاف السيادة في الكون و العبوديّة لله بالالتزام بأوامره وبالابتعاد عن
نواهيه
-هذا هو
الهدف الأسمى للوجود الإنساني (كل إنسان مهما كان لونه أو دينه أو عرقه...)
4 / -الكونية و تحديات العولمة :
أ / - ماهي العولمة ؟
· العولمة : جعل الشيء عالميا ، أي السير نحو جعل العالم يسير وفق نموذج و منهج واحد .
-هي اتجاه نحو السيطرة على العالم و جعله وفق نسق واحد و يقع فيها
التعامل دون اعتبار للحدود السياسية أو الوطنية و الثقافية
و الدينية و غيرها...
-من وسائل
الهيمنة المستخدمة : وسائل الاتصال و الإعلام
و انتشار المحطات الفضائية و ثورة المعلومات الهائلة التي تجسدها شبكة
الأنترنت...
-من المبادئ التي تقوم عليها العولمة : تحقيق المردودية
و الربح – إلغاء الخصوصيات الثقافية...
ب / - تحديات العولمة:
-العولمة
بداية وجود ثقافة عالميّة جديدة ( ثقافة واحدة ) تتجاوز التراثيات الثقافيّة
المحلّية والوطنيّة والقوميّة
-وهي دعوة
إلى الهيمنة و التفرد وتوجيه العالم وجهة تخدم مصالح فئة معينة
-العولمة تطرح إشكالية الخصوصية الثقافية
للمجتمعات وهيمنة ثقافة واحدة وإلغاء أو تهميش الثقافات الأخرى بتحويلها إلى مجرّد
ثقافات هويّة
-العولمة
تطرح إشكالية الانغلاق على الذات ورفض الآخر و بالتالي التخلّف عن ركب
الحضارة أو الانفتاح والذوبان
-لا يمكن للمجتمعات الإسلامية أن تبقى بمعزل عن
هذه التحولات
-
العولمة
حاضرة في حياتنا أحببنا امر كرهنا (لباس/ أكل/ آلات ,,,)
-
ساهمت
وسائل الاتصال الحديثة في انتشار العولمة
ج/ - سبل التعامل مع تحديات العولمة :
-ضرورة الوعي بالواقع وتحدياته ( العولمة أمر واقع ) لتجنب التقوقع
والانغلاق والاعتزاز بالانتماء للإسلام
-احياء
الجانب الإيجابي من التراث للتحفيز
- الافتخار بالانتماء
: " أفتخر أن أكون مسلما تونسيا عربيا".
-الاستفادة
من التجارب السابقة مع ضرورة البحث والاجتهاد لتحقيق التقدم
-الاستفادة
من مبادئ الحداثة الغربية دون أن تصبح نموذجا ومثالا (كسر حدة الانبهار بالغرب)
-التعامل
الواعي والنقدي والندي مع الاخر المختلف من أجل تحقيق المصالح المشتركة.
-الاحتكام
إلى المبادئ الإنسانية العالمية (دعم القيم الإنسانية الداعية إلى السلم والحرية
والعدالة والمساواة)
العولمة لاتمثل خطرا مدمرا إلا على الشعوب و الأمم التي
تفتقر إلى ثوابتها الثقافية ، أما تلك
التي تمتلك رصيدا ثقافيا و حضاريا غنيا فإنها قادرة على الاحتفاظ بخصوصياتها و
النجاة من مخاطر العولمة و الحذر من سابياتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق